الجمعة، 11 نوفمبر 2011

مُؤنس

لا يمكن لطفلة لم تتجاوز سنواتها الاربع أن تحتفظ في مخزون ذاكرتها طويلة الأمد أحداث ذلك اليوم ، ولكنّي فعلتُ وسأظلّ أفعل ، وأستذكر كيف ليومٍ باردٍ ماطرٍ  أن يجلبَ لنا تلك الفرحةَ الأزليّة التي لفّتْ أرجاء منزلِنا ، كنتُ أرتدي حذائي الصّوفي الذي حاكتُه صديقةُ أمي لأختي عندما كانت صغيرة ومن ثم أصبح لي بالتتابع العمري ، كان هذا الحذاء بمثابة دافع لي لكيّ أقفز أكثر وأكثر أمــام أهازيج وضحكات جدّي ورقصاته ونحن حوله ، إنَّ كون الجميع يضحكون ويرقصون أمام طفلةٍ صغيرةٍ لهو سببٌ واضحٌ وجليّ لها كي تمارسَ الفعل نفسه ، دون أي حاجةٍ تُذكر في أنْ تسأل : - لمَ كل هذا الصخب يا جماعة؟ 

كنّا ننتظر ، وفي ذات الوقت كنّا نحاول جاهدين أنْ نُخرِج ما في أعماقنا من سعادة كامنة  ، فثمة مخلوقٌ جميلٌ سيأتي في غضون ساعات ليشاركَنا هذا الفرح ، وإنَّ لهذا المخلوق روعةٌ خفيّةٌ أدركنا حقيقتها وتلمسناها في احتفالنا الذي ملأ بيتنا ،.. انسدلتْ تلك الستارة الخمريّة ، وفُتحت بعد فترة زمنية خاطفة قصيرة ، إذ بأبي أمامي يحمل شيئاً ما بين ذراعيه وينادي فيّ أن أشاركهم تأمل هذا الشيء ، لا أعلم كيف حدث ذلك فجأة فقبل لحظات قلائل كنت أرقص وأغني ، ومن ثم فجأة غمرني صمتٌ مَهيب ، وأحسستٌ بمفاصلي قد تيبّست ولم أستطعْ خطو ولو خطوة واحدة تجاه ما يتأملون ..

"- ما أحلاه 
- ما شا الله
- بيشبه مين؟"

نعم لقد جئتَ ، وهذه حقيقة من تلك الحقائق التي يكثفها الزمن في قوارير فتصبح واقعاً مُعاشاً ، يوم بعد يوم ، طفلاً صغيراً لا يقوى على فتح عينيه ، فـفتىً جميل يفتح ذراعيه مستقبلاً عامه السّادس عشر . في حينها وفي تلك اللحظة بالتحديد ، واجهت مشكلة جسيمة في لفظ اسمِك ، أتذكر كيف ظلّ أبي وأمي يحاولان جعلي أنطقه جيدا لكي أناديك به: " مؤنس ، اسمه مؤنس .. يللا جرّبي .." ولكن عبثاً ضاعت محاولاتهما ، .. وظللت أبرر هذا لسنوات عديدة مرّت بأن المسميّات تثقل كاهل الذكريّات ، وأن التاريخ-تاريخنا- عندما سنكتبه سيفضي بنا إلى مساحات اشسع من أن نحصرها باسم أو بعنوان ، لذا هكذا أنتَ الآن ، وهكذا كنتَ قبل ستة عشر عاماً ، تلك الهِبة الربانيّة التي أفاض بها الله على عقلٍ صغيرٍ لم يسكنْ لحظة في تخيّل الهيئة والصورة الذي ستكونها عندما تكبر ..
مؤنس ، عندما ستقرأ هذه الكلمات ، ستعلم كم أنا محظوظةٌ بكَ ، وكيف لـيوم 11-11 أن يمرَّ كلّ سنة ، جميلاً ، هادئاً ، حالماً وصادقاً كما أنت تماماً.. أتذكر تلك القبلة التي طبعتها على خدّك اليوم؟ ..هي توقيعي أسفل هذه الأسطر..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Go deep in my blood