الاثنين، 11 يونيو 2012

إلهةٌ في الجُبّ


منذ نشأة الخليقة الأولى ، ووجود الإنسان على هذه الأرض أي منذ حوالي 10 آلاف عام مضت ، والذكر والأنثى في حالة معايشة تقتضيها ضروريات الحفاظ على الجنس البشري ، فكانت الأنثى الأم الزوجة الحُبلى التي تنجب إناثاً وذكوراً ، كانت الفلاحة التي تسري إلى الحقول فجراً ، والحانية التي تترقب قدوم الوافدين مغرباً ، كانت المحاربة  في ساحات القتال جسداً وعقلاً ، .. كانت الاثنى الآلهة التي تربعت على عرشها ، الآلهة التي احتضنت سرّ الخصب ،الأنثى الآلهة تلك  التي حملت في جوفها هم العطاء والحب وإنارة الغياهم وسبر الفجوات الاجتماعية،لكن  عطاءها وخلقها كانا يُواجَهان دائماً بدمار وشر الذكر ، فحذوت طريق الخير في حين حذا هو طريق الشر للاقتصاص منها ، واصبحا قطبين مختلفيين يتجاذبان لغايات في نفس قوى الشر التي تجذبها لوهلة وما إن تصب في أحشائها دمارها حتى تتركها لتهيم في الاسقاع ولتلملم الخطيئة وحدها بل وترعى هذه الخطيئة وتكبرها فإن كانت هذه الخطيئة ذكراً فعل كما فعل أسلافه ، أما إذا كانت أنثى فستصبح لعنة اخرى  ..10 آلاف عام لم تكنْ كافية لتجعل هذه البشريّة تستوعب وجود هذه الأنثى ، لم تستطعْ هذه البشرية أن تكف عن النظر إليها على أنها مخلوق غريب ،لقيط ومثير للشفقة والغرائز على حد سواء ، لم تستطعْ أن تغير شيئاً رغم كل محاولاتها أن تكون مخلوقاً تعايشيا لا يُلام على رذائل المجتمع ، بل كانت ولا تزال تُرى على أنها سبب الرذائل ومنبع الخطايا ، ولعنة مثيرة للسخط ..لم يستطع هذا العالم بقديمه وجديده أن يعتاد على فكرة وجودها فظلّت الأنظار موجهة صوبها حالمة إما بتملكها أو بقذفها بعيداً إلى كوكبها الفضائي الذي جُلِبَتْ منه .
هذه الكلمات لا يستطيع امرئ أن يكتبها ويستشعرها إلا إذا كان امرأة ، ولكن قراءتها وفهمها تحتاج لانسان يفهم تماماً ما معنى أن تكون إنساناً ، لستُ أحب الحديث عن قضايا النساء ، ودائماً ما كنت أتفادى النظر إلى نفسي كامرأة بمقدار النظر إلي كانسان يعيش أزمات الانسان الحي ويناضل من أجل قضايا الانسانية جمعاء والوطنيّة على وجه خصوص ، ولكن هذا العالم يستمتع بصفعي على وجهي  كي أصحو وأرى ما لا أود أن أرى ، أرى كيف ينظرون إلي وإليهن ، اينما وُجدن وارتحلن ، ولا علاقة تُذكر بين نظرة هذا العالم الى المرأة والمكان والزمان الذي تتواجد فيه ،فالتخلف المجتمعي موجود في أذهان الشعوب الاكثر حضارة وعمرانا ،التخلف الاستلذاذي المتغطرس الرامي إلى إفساد ما تبقى من روح واحدة موحدة تجمع بينهما ،حتى في عقول أكثر الافراد تحررا ثمة وميض دونيّة قذرة ينظرون بها إليها،فالجميع وُطّن على وجودها المستهجن وعلى محاربتها والنيل منها كلما قامت لترفع برأسها.الى الأعلى لتعلم ما يدور حولها. ،.. المرأة ورغم كونها أنموذجاً حيّاً على التكاتف الصفاتيّ إلا  أنها تنظر إلى ذاتها كما يحب الجميع أن ينظر إليها مجرد كتلة من الضعف الوظيفي وطاقة اتكالية لا تُحَرّك إلا بادارة وتوجيه خارجي ،فاعتادتْ ذلك وأحبت كونها وعاءا بشريا يحمل ويلد ومن ثم يحمل ويلد يُظلم ويُضرب من كل الأطراف وعلى كافة الأصعدة برضاها وبتواطؤ عقلها الباطني ضدها ، توقفت عن الرفض لأن الرفض بحد ذاته وظيفة حيوية للمخلوقات الطبيعية ، أما هي وبانعدام تخطيطها وقدرتها فقد ضُمرت أعضاؤها الباطنية التي تحتاجها لتحقيق وظيفة الرفض فباتت باربي تبدو كما اتفق ،تعوزها الحكمة والنباهة و تزين الموائد كما وتُزيَّن بها.
جاءت العقائد السماوية، فرحت واستبهلت بالخير القادم ،العز الوفير والمكانة المرموقة التي سُنّت لها من خالقها ، ولكن سرعان ما اكتشفت أنها أصبحت شماعة هذه الأديان ، أصبحت المصب الذي تُصب فيه الشرائع والمحرمات ،لتصبح هي نفسها محرما ،.. الدين بشريعته التي أصبحت لا تطبق إلا عليها تواطأ مع تخلف المجتمع ونظرته المستحقرة إليها وكلا الطرفين تواطأا مع الظلم التاريخي الواقع عليها كي يحولوا جميعا ليس دون تقدمها فحسب ، بل دون وجودها أصلاً .
 كنتُ أُخرج من حقيبتي قلم الكحل لاكحل به عينيّ النائمتين وإذا بي أسمع في الراديو خبر الفتاة التي وُجدت جثة ميتة في بئر إحدى مناطق الخليل ، تسمرت في مكاني لا لأن القصة جديدة ، بل لتكراريتها وتوّحد الأسلوب دائماً،فلم يكنْ اليوم هو اليوم الأول والوحيد الذي أسمع بقصة جثة فتاة شابة وُجِدتْ ملقاة هنا أو هناك ، ولن يكون حدث تبرئة المجرمين حالة فردية، بل هو حديث كل ساعة ، وحدث كل زمان ، الجرم والذنب الذي اُقترف ضدها وأودى بها جثة هامدة حديث منضدات التشريح ،هو جُرم سيستمتع المجرمون في نسبه إليها وتحميلها وزره ،فالرجولة تقتضي منهم جميعاً أن ينظفوا أيديهم من قذارتها ، ويحموا شرف عائلة هددتها تلك المخلوقة الجهنمية ، أما قذارتهم هم ، فهي قذارة أزلية ، لن ينظفها لا أسطر كهذه ، ولا أعرق مدارس الأخلاق..
سننتظر طويلاً جدّاً حتى نرى الأنثى أنثى ، مخلوقا يرقص ويستمتع بجماله الجذاب وفي ذات الحين يناضل بكل ما أوتي من قوة كي يحقق الكرامة الانسانية له ولمعشر الإنس ، سننتظر طويلاً حتى نسمع تلك الفتاة تقول : أنا يوسف يا أبي ،إخوتي لا يحبونني ، ولقد أوقعوني في الجُب.