ليس لأي كان الحق في العبث بمقدرات الثورة ، تلك المقدرات الرمزيّة التي تحفظ استمرارية الروح الثوريّة في نفوس الشعوب ، وتمدهم بالوقود اليوميّ الذي يبث فيهم طاقة أن يصرخوا بــ" لا"، وأن يظلوا دائماً رافضين لما أيقظهم وأن لا يستكينوا لمجرد تحقيق أولى المطالب .. ولكن ما إن تبيتُ الثورة في أسرّة أصحاب المايكروفونات والراكضين أمام الكاميرات ، حتى تفقد تلك الجميلة عذريتها ، وتبيتُ سلعةً في يد المنتجين والسّاعين لاستمالة الحس المجابِه الذي يظنه أولئك المتعجرفون موضةً يمكن لهم أن يرتدوها وقتما شاءوا ويخلعوها حينما تمتلئ بإفرازات أجسادهم القذرة ، فأعداء الثورة المتوارون والمموهون بالثورية هم اشد ضرراً من أولئك الذين قامت الثورة ضدهم ، إذ يظلون يمتصون دم الأحرار حتى يخفت حسهم وينتهون كنصب تذكاري وتعود الأمور كما كانت عليه وأسوأ ، رغم أني من اشد معارضي فكرة الثورة ضد أفراد بحد عينهم ، ودائماً ما أرى آن الثورة إذا ما قامت فيتطلب عليها أن تقوم ضد معتقدات وأفكار ، فالأفراد ما هم الا انعكاس لشيء متجذر يسيّر طريقهم ، وما إن يرحّلوا حتى يجيء غيرهم بقناعٍ آخر ولكن بنفس البطش الذي ما يلبث أن يظهر للعيان .
هالة سرحان ، مثال صارخ على ركوب أمواج الثورة ، واعتبارها حدثاً استثنائياً يجب استغلاله على كافة الأصعدة حتى لو كان على صعيد ملء جيوب أصحاب العباءات البراقة بالريالات والدولارات ، " ناس بوك" هو برنامجها الذي أطلقته وشرعته باباً متخفياً بثياب الشرعيّة والعدل ، هو عرضٌ سخيفٌ جدّاً لماهيّة الروح الانتهازيّة، استغلّت فيه الرائج والشائع لتسويق اسمها ، بعد ما كانت ممنوعة من العرض من قبل مجموعة القنوات ذاتها التي رجعت للشاشة من خلالها " روتانا" .. انعدام القيم مع تسلط الجشع وادعاء الحديث باسم " الناس" والتعبير عن صوت"الناس" ..هو طريقها الذي ما حادتْ عنه أبداً ، استغلال حس الشباب الحر ومحاولة جعلهم يلتهمون طعم إغرائها الرّخيص .
أين كانت هذه وغيرها عن سكان المقابر؟ عن طوابير" العيش"؟لماذا لم يظهر اسمها معارضة وقتما كان النظام في أوج جوره؟ هي لم تفعل اياً من هذا لا هي ولا أمثالها ، ولا أخالُ أيَّ حذقٍ كان لينتظر منها تحرّكاً ما، فالإعلام العربي إعلام موالي، موالي للصوت القوي دائماً ولم يصلّْ بعد إلى ما نتوق إليه ، لم يكنْ يوماً صوتَ الناس ، و على وعينا أن يجعلنا نتحدث بصوتنا نحن وان لا ننتظر ثلّة من الأسماء العريضة أن تشملنا تحتها، سيصل الوعي إلى ذروة الانتشار، وسيستعصى دائماً على الاحتواء في أي إطارات وقوالب جاهزة.